خطاب جلالة الملك في قمة الدوحة: رؤية استراتيجية وصوت الضمير العربي

1

 

في لحظة استثنائية فارقة من تاريخ أمتنا، التأم شمل القادة العرب والمسلمين في العاصمة القطرية الدوحة، في قمة طارئة لمناقشة العدوان الإسرائيلي الغادر على دولة قطر، هذا العدوان الذي استهدف مفهوم الأمن العربي والإسلامي المشترك، وكشف عن طبيعة المشروع الإسرائيلي الذي يتغذى على الانقسام العربي وتراخي المجتمع الدولي.

لقد كانت كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في هذه القمة بمثابة بوصلة استراتيجية، وصوت ضمير عربي أصيل يذكّر الأمة بمسؤولياتها التاريخية. حين قال جلالته إن "أمن قطر أمننا، واستقرارها استقرارنا"، فلم تكن تلك مجرد عبارة تضامنية، بل إعلاناً سياسياً وأمنياً يرسخ مبدأ أن أمن المنطقة كلٌّ لا يتجزأ، وأن التهديد لأي دولة عربية هو تهديد لجوهر الأمن القومي للأمة بأكملها.

وإن خطورة المشهد لا تكمن فقط في اعتداء إسرائيلي على سيادة دولة عربية، بل في التمادي الإسرائيلي المستمر، الذي يجد غطاءه في تواطؤ المجتمع الدولي وصمته المريب. فلقد سمح هذا الصمت لإسرائيل أن تتحول إلى حالة من "فوضى القانون"، دولة تعيش فوق الشرعية الدولية، تشرعن القوة بدلاً من العدالة، وتفرض هيمنتها بعيداً عن أي التزام بالقوانين أو الأعراف الدولية. ومن هنا جاءت دعوة جلالة الملك لإعادة صياغة أدوات العمل العربي والإسلامي المشترك، باعتبارها حاجة وجودية لمواجهة حكومة إسرائيلية متطرفة لا تؤمن إلا بمنطق القوة.

ولقد قدّم جلالته رؤية متكاملة تقوم على أن الوحدة هي السبيل الوحيد للرد على العدوان، وأن القرارات لا قيمة لها إن بقيت على الورق دون إرادة سياسية وإجراءات عملية. فكان خطابه بمثابة دعوة لتجاوز مرحلة البيانات التقليدية، نحو بناء موقف جماعي صلب يحمي الحقوق الفلسطينية، ويصون سيادة الدول العربية، ويضع حداً لسياسات فرض الأمر الواقع التي تنتهجها إسرائيل.

و طرح جلالة الملك عدداً من المطالب ، تمثلت بضرورة وقف الحرب على غزة فوراً، وفتح ممرات إنسانية آمنة ومستدامة، ومنع التهجير القسري للفلسطينيين، وإعادة الأمل بحل الدولتين كخيار وحيد للسلام، إلى جانب إدانة خرق السيادة وانتهاك القانون الدولي، وتأكيد الحاجة إلى رد عربي وإسلامي واضح وحاسم لردع الممارسات الإسرائيلية، مع التشديد على تعزيز الوحدة والتنسيق العربي والإسلامي، وتحميل المجتمع الدولي مسؤوليته ورفض بقاء إسرائيل فوق القانون.

إن ما ميّز كلمة جلالة الملك في هذه القمة أنها لم تكن دفاعاً عن قطر وحدها، بل عن مفهوم الأمة في جوهره. فوضع جلالته أمام القادة العرب والمسلمين معادلة واضحة: إما أن نكون على قدر التحدي، وإما أن نترك الباب مفتوحاً أمام مزيد من الاعتداءات والانتهاكات. وبذلك، أعاد للأمة ثقتها بقدرتها على استعادة زمام المبادرة إذا ما توافرت الإرادة.

ونحن كمتقاعدين عسكريين ومحاربين قدامى، إذ نلتف حول قائدنا الهاشمي، فإننا ندرك أن هذه اللحظة التاريخية تستدعي وحدة الصف والوقوف خلف القيادة، إيماناً بأن حماية الأمن العربي ليست خياراً بل واجباً قومياً. ولقد عبّر جلالة الملك عن المستقبل، الذي لا مكان فيه للهيمنة ولا للفوضى، بل يقوم على العدل والسيادة والاحترام المتبادل.

نسأل الله العلي القدير أن يحفظ الأردن بقيادته الهاشمية المظفرة، وأن يمدّ جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين سمو الأمير الحسين بن عبدالله بموفور الصحة والعافية والعزم لمواصلة مسيرة الدفاع عن قضايا الأمة، وأن يحمي وطننا الغالي من كل سوء، ويحفظ بلادنا العربية والإسلامية جميعاً من كل شر، ويجمع كلمتها على الحق والعدل والسلام.

* مدير عام المؤسسة الاقتصادية والاجتماعية للمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدماء